الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَوَقْفَتُهُ تِلْقَاءَ بَابٍ وَكُوَّةٍ فَإِنْ لَمْ يُجَبْ يَمْضِي وَإِنْ يُخْفَ يزدد (وَ) مَكْرُوهٌ لِلْمُسْتَأْذِنِ أَيْضًا (وَقْفَتُهُ تِلْقَاءَ) أَيْ عِنْدَ (بَابِ) مُسْتَأْذَنٍ عَلَيْهِ مُقَابِلًا لَهُ , ; لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ إنَّمَا شُرِعَ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَا يُوَاجِهُ الْبَابَ فِي اسْتِئْذَانِهِ ; لِأَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ مُسْتَقْبِلَ الْبَابِ , فَقَالَ عليه السلام " هَكَذَا عَيْنُك وَهَكَذَا , فَإِنَّمَا الِاسْتِئْذَانُ مِنْ النَّظَرِ " . وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " إذَا دَخَلَ الْبَصَرُ فَلَا إذْنَ " حَدِيثَانِ حَسَنَانِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ . وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الِاسْتِئْذَانِ فِي الْبُيُوتِ , فَقَالَ: مَنْ دَخَلَتْ عَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ وَيُسَلِّمَ فَلَا إذْنَ لَهُ , وَقَدْ عَصَى رَبَّهُ , قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: رِوَايَةُ ثِقَاتٍ . (وَ) مِثْلُ الْبَابِ وَقْفَتُهُ تِلْقَاءَ (كَوَّةٌ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَتُضَمُّ: الْخَرْقُ وَالثَّقْبُ فِي الْحَائِطِ , وَيُقَالُ كَوٌّ مِنْ غَيْرِ تَأْنِيثٍ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: التَّذْكِيرُ لِلْكَبِيرِ , وَالتَّأْنِيثُ لِلصَّغِيرِ جَمْعُهُ كُوَىً وَكِوَاءٌ ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَابِ بِجَامِعِ تَوَصُّلِ النَّظَرِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ " . وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ لَهُ وَلَا قِصَاصَ " . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ " فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَقَدْ هُدِرَتْ " . وَمِثْلُ الْكَوَّةِ خُصَاصُ الْبَابِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ " أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى بَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خَصَاصَةُ الْبَابِ , فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَخَّاهُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ عُودٍ لِيَفْقَأَ عَيْنَهُ , فَلَّمَا أَبْصَرَهُ انْقَمَعَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَا إنَّك لَوْ ثَبَتَّ لَفَقَأْت عَيْنَك " وَخَصَاصَةُ الْبَابِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ هِيَ الثُّقْبُ فِيهِ وَالشُّقُوقُ . وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعَلَ الشَّقَّ الَّذِي فِي الْبَابِ مُحَاذِيًا عَيْنَهُ . وَمَعْنَى تَوَخَّاهُ بِتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَصَدَهُ وَمَعْنَى انْقَمَعَ رَدَّ بَصَرَهُ وَرَجَعَ يُقَالُ: أقمعت الرَّجُلَ عَنِّي إقماعا إذَا طَلَعَ عَلَيْك فَرَدَدْته عَنْك فَكَأَنَّ الْمَرْدُودَ أَوْ الرَّاجِعَ قَدْ دَخَلَ فِي قمعه , وَمِنْهُ حَدِيثُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ " فَيَنْقَمِعُ الْعَذَابُ عِنْد ذَلِكَ " أَيْ يَرْجِعُ وَيَتَدَاخَلُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه " أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُجْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِذْرَاةٌ يَحُكُّ بِهَا رَأْسَهُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَنْظُرُ لَطَعَنْت بِهَا فِي عَيْنِك , إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ " . وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أَحَدُهَا جَيِّدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: , لَا تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا , وَلَكِنْ ائْتُوهَا مِنْ جَوَانِبِهَا فَاسْتَأْذِنُوا فَإِنْ أُذِنَ لَكُمْ فَادْخُلُوا , وَإِلَّا فَارْجِعُوا " وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ النَّاظِمِ رحمه الله (فَإِنْ) اسْتَأْذَنَ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ , أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَطْ عَلَى مَا هُوَ و (لَمْ يُجَبْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَمْ يُجِبْهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ (يَمْضِي) لِمَا فِي الْأَخْبَارِ الْمَارَّةِ وَغَيْرِهَا . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ: فَلَا يَقِفُ عَلَى الْبَابِ , وَيُلَازِمُهُ لِلْآيَةِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ " وَتَقَدَّمَ . وَالْمُرَادُ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ سَمِعُوا صَوْتَهُ (وَإِنْ) حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٍ وَ (يُخْفَ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ فِعْلُ الشَّرْطِ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْأَلْفِ ; لِأَنَّهُ مُعْتَلٌّ بِهَا وَنَائِبُ الْفَاعِلِ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْتَأْذِنِ يَعْنِي وَإِنْ يُخْفَ صَوْتُهُ (يزدد) جَوَابُ الشَّرْطِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَةِ . وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ اسْتِئْذَانِهِ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ مُطْلَقًا , قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ , وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ , وَأَرَادَ بِهِ الْإِمَامَ الْعَلَّامَةَ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْقَيِّمِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلَّاتِ إلَّا إنْ ظَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ . قَالَ م ص فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: فَيَزِيدُ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ .
(وَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَأْذِنِ (تَحْرِيكُ نَعْلَيْهِ) تَثْنِيَةُ نَعْلٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةً الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْمَشْيِ . قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَتُسَمَّى الْآنَ تاسومة , وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا خَيْرَ مَنْ يَمْشِي بِنَعْلٍ فَرْدٍ , وَصَفَهَا بِالْفَرْدِ , وَهُوَ مُذَكَّرٌ ; لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ . وَالْفَرْدُ هِيَ الَّتِي لَمْ تُخْصَفْ وَلَمْ تُطَارَقْ وَإِنَّمَا هِيَ طَاقٌ وَاحِدٌ . وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِرِقَّةِ النِّعَالِ وَتَجْعَلُهَا مِنْ لِبَاسِ الْمُلُوكِ يُقَالُ نَعَلْت وَانْتَعَلْت إذَا لَبِسْت النَّعْلَ وَانْتَعَلَتْ الْخَيْلُ . وَمِنْهُ الْحَدِيثُ " إنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ خَيْلَهَا " . (وَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَأْذِنِ أَيْضًا (إظْهَارُ حِسِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْحَرَكَةِ وَأَنْ يَمُرَّ بِك قَرِيبًا فَتَسْمَعَهُ , وَلَا تَرَاهُ كَالْحِسِّ وَالصَّوْتِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ . وَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إتْيَانُ شَيْءٍ مِنْ تَحْرِيكِ نَعْلٍ أَوْ نَحْنَحَةٍ أَوْ صَوْت كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ رضي الله عنه , وَذَلِكَ لِئَلَّا يَرَى أَمْرًا يَكْرَهُهُ الدَّاخِلُ أَوْ أَهْلُ الْمَنْزِلِ , وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى الشَّحْنَاءِ بَيْنَ الْأَهْلِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى مِنْ عَوْرَاتِهِمْ مَا لَا يُحِبُّ , فَإِذَا حَرَّكَ نَعْلَهُ أَوْ تَنَحْنَحَ أَوْ أَظْهَرَ حِسَّهُ انْتَفَى ذَلِكَ . وَقَالَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا دَخَلَ تَنَحْنَحَ وَصَوَّتَ . مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ . فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ إظْهَارُ حِسِّهِ (لِ) أَجْلِ (دَخْلَتِهِ) لِكُلِّ دَخْلَةٍ (حَتَّى) يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيكِ نَعْلِهِ وَإِظْهَارِ حِسِّهِ (لِ) دُخُولِ مَنْزِلِهِ عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ , فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِدُخُولِهِ عَلَى الْأَجَانِبِ . وَقَوْلُهُ (أشهد) فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ الْإِشْهَادِ وَحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِلْقَافِيَةِ , أَيْ أَعْلِمْ ذَلِكَ وَأُشْهِدْهُ وَلَا تَتَوَقَّفْ فِيهِ . وَقَدْ مَرَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ , قَالَ يُحَرِّكُ نَعْلَهُ إذَا دَخَلَ . وَقَالَ إذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ تَنَحْنَحَ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ إذَا دَخَلَ يَكْثُرُ خَيْرُ بَيْتِهِ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ " يَا بُنَيَّ إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ تَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْك وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِك " . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا " إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَ الْمُولَجِ وَخَيْرَ الْمُخْرَجِ , بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا , وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا , ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِهِ " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ , وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ , وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ مَضْمُونٌ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ , يُرِيدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ . قَالَ: وَقَوْلُهُ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُسَلِّمَ إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى
وَتَحْرِيكُ نَعْلَيْهِ وَإِظْهَارُ حِسِّهِ لِدَخْلَتِهِ حَتَّى لِمَنْزِلِهِ اشهد (فَوَائِدُ) الْأُولَى: يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَأْذِنِ إذَا قِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَوْ مَنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ فَيُسَمِّي نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْ اسْم أَوْ كُنْيَةٍ , لِمَا فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ " ثُمَّ صَعَدَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ , قِيلَ وَمَنْ مَعَك؟ قَالَ مُحَمَّدٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " خَرَجْت لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ يَمْشِي وَحْدَهُ , فَجَعَلْت أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي , فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت أَبُو ذَرٍّ " . وَكُرِهَ لِلْمُسْتَأْذِنِ إذَا قِيلَ مَنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ أَنَا , وَلَا يُسَمِّيَ نَفْسَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَقَقْت الْبَابَ , فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت أَنَا , فَقَالَ أَنَا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " . قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: مَا أَكْثَرَ مَا نَلْقَى مِنْ النَّاسِ يَدُقُّونَ الْبَابَ فَيَقُولُونَ أَنَا أَنَا , أَلَا يَقُولُ: أَنَا فُلَانٌ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلِيَزُولَ اللَّبْسُ فَيَذْكُرُ مَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْ كُنْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا , لِقَوْلِ أُمِّ هَانِئٍ: أُمُّ هَانِئٍ وَقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ: أَبُو قَتَادَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَدُ الْإِمَامِ: دَقَّ أَبِي رضي الله عنه الْبَابَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ . (الثَّانِيَةُ) ظَنَّ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَدَيْهِ مِنْ عِلْمِ الْآثَارِ , وَلَا لَهُ مَزِيدُ اطِّلَاعٍ عَلَى أَسْرَارِ الْأَخْبَارِ , أَنَّ عِلَّةَ كَرَاهَةِ قَوْلِ الْمُسْتَأْذِنِ (أَنَا) مُشَابَهَةُ إبْلِيسَ الْمَبْعُودِ فِي قَوْلِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ . وَهَذَا غَلَطٌ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنَا فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ , مِنْهَا قَوْلُهُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ . أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطلب . وَخَبَرُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَةْ وَحَدِيثُ الصِّدِّيقِ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي أَوْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا أَنَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا لَا يُرِيدُ مَعَ قوله تعالى مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا فَقَالَ مَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكَيْنَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا , فَقَالَ مَنْ اتَّبَعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جِنَازَةً؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا , قَالَ مَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ قَطُّ فِي رَجُلٍ إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " . وَمُقْتَضَى نَصِّ إمَامِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا فُلَانٌ أَوْ أَنَا أَبُو فُلَانٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى , وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ . ثُمَّ رَأَيْته صَحِيحًا . فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَسْجِدَ وَأَبُو مُوسَى يَقْرَأُ قَالَ فَجِئْت فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْت أَنَا بُرَيْدَةُ . وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ فَقُلْت أَنَا أُمُّ هَانِئٍ . وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ أَنَا الشَّيْخُ فُلَانٌ أَوْ الْقَارِئُ فُلَانٌ أَوْ الْقَاضِي فُلَانٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِذَلِكَ . وَإِنَّمَا عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْفَائِدَةِ بِقَوْلِهِ: أَنَا فَإِنَّهُ مَا زَادَ عَلَى أَنَّ ثَمَّ عَلَى الْبَابِ إنْسَانًا , وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالِاسْتِئْذَانِ . (الثَّالِثَةُ): يَنْبَغِي لِلْمُسْتَأْذِنِ أَنْ لَا يَدُقَّ الْبَابَ بِعُنْفٍ لِنِسْبَةِ فَاعِلِ ذَلِكَ عُرْفًا إلَى قِلَّةِ الْأَدَبِ , لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ رَبُّ الْمَنْزِلِ شَيْخَهُ , وَلِذَا كَانُوا يَقْرَعُونَ بُيُوتَ الْأَشْيَاخِ بِالْأَظَافِرِ . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أَبْوَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تُقْرَعُ بِالْأَظَافِرِ . وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَدَبِ , وَهُوَ حَسَنٌ لِمَنْ قَرُبَ مَحَلُّهُ مِنْ بَابِهِ , وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ عَنْ الْبَابِ فَيُقْرَعُ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ .
(الرَّابِعَةُ) إذَا دَخَلَ يَجْلِسُ حَيْثُ أَجْلَسَهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ , وَقِيلَ: بَلْ حَيْثُ انْتَهَى مِنْهُ كَذَا فِي الرِّعَايَةِ . وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَحَاصِلُ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّهُ إنْ أَمَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَانٍ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّاهُ ; لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ وَتَكْرِمَتُهُ . وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ , وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُقَامُ فِيهِ . وَهَذَا وَاضِحٌ . وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْجُلُوسِ فِي مَكَانٍ مِنْهُ فَهَلْ يَجْلِسُ وَأَيْنَ يَجْلِسُ , يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى عُرْفِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَعَادَتِهِ فِي ذَلِكَ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ , يَعْنِي عُرْفَهُ وَعَادَتَهُ ; لِأَنَّهُ خَاصٌّ فَيُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ كَالْكَلَامِ . فَإِنْ خَالَفَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ عَادَتَهُ بِأَنْ أَمَرَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ وَافَقَهُ إنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا , وَكَذَا إنْ شَكَّ , حَمْلًا لِحَالِ الْمُكَلَّفِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ أَجَابَهُ . وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُجِبْهُ ; لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ . ثُمَّ يَجْلِسُ فِيمَا يَظُنُّ إذْنَهُ فِيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا . وَيُعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَظَوَاهِرِ الْحَالِ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ وَلَا عَادَةٌ فَالْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسُ بِلَا إذْنٍ خَاصٍّ فِيهِ لِحُصُولِ الْإِذْنِ فِيهِ بِإِذْنٍ فِي الدُّخُولِ . ثُمَّ إنْ شَاءَ جَلَسَ أَدْنَى الْمَجْلِسِ لِتَحَقُّقِ جَوَازِهِ مَعَ سُلُوكِ الْأَدَبِ , وَهَذَا أَوْلَى . وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ بِالظَّنِّ فِي جُلُوسِهِ فِيمَا يَأْذَنُ فِيهِ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ , وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى عَوَائِدِ النَّاسِ . وَدَخَلَ ابْنُ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ بِنِيَّةِ زَائِرٍ لَهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا بِالْأَرْضِ إلَى وِسَادَةٍ قَالَ فَقُلْت لَهُ إنِّي قَدْ رَضِيت لِنَفْسِي مَا رَضِيتَ لِنَفْسِك , فَقَالَ: إنِّي لَا أَرْضَى لَك فِي بَيْتِي بِمَا أَرْضَى بِهِ لِنَفْسِي فَاجْلِسْ حَيْثُ تُؤْمَرُ .
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ مِنْهَا أَوَّلُ مَنْ صَافَحَ وَعَانَقَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كَمَا فِي مُثِيرِ الْغَرَامِ وَالْأُنْسِ الْجَلِيلِ وَالْأَوَائِلِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْإِسْكَنْدَرُ الْأَكْبَرُ , فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ الْمُفَضَّلِ الْمُوَقَّرِ , صَافَحَهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ , وَعَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ , وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ وَعَمَّمَهُ , وَأَهْدَاهُ لِلْخَيْرِ وَعَمَّمَهُ , وَتَشَرَّعَ الْإِسْكَنْدَرُ بِشَرِيعَتِهِ , وَدَخَلَ مَعَهُ فِي مِلَّتِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْجَوَابِ الْمُحَرَّرِ , فِي الْخَضِرِ وَالْإِسْكَنْدَرِ . وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا فِي خَبَرِ أَنَسٍ . كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي حَدْسٍ .
وَيُكْرَهُ مِنْك الِانْحِنَاءُ مُسَلِّمًا وَتَقْبِيلُ رَأْسِ الْمَرْءِ حَلَّ وَفِي الْيَدِ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (مِنْك الِانْحِنَاءُ) أَيْ الِالْتِوَاءُ وَالِانْعِطَافُ (مُسَلِّمًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ يُكْرَهُ مِنْك الِانْحِنَاءُ لِأَجْلِ السَّلَامِ أَوْ فِي السَّلَامِ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ , لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ وَصَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لَا قَالَ أَفَيُلْزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ: لَا , قَالَ: أَفَيَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ . " وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ . وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ أَبِي الْمَعَالِي أَنَّ التَّحِيَّةَ بِانْحِنَاءِ الظَّهْرِ جَائِزٌ , وَقِيلَ: هُوَ سُجُودُ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ . قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ عُمَرَ الشَّامَ حَيَّاهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَهُمْ وَقَالَ: هَذَا تَعْظِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ , وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَازِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَتُبَاحُ الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ الْيَدِ وَالرَّأْسِ تَدَيُّنًا وَإِكْرَامًا وَاحْتِرَامًا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ . وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ إبَاحَتِهِ لِأَمْرِ الدُّنْيَا . وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةُ , وَالْكَرَاهَةُ أَوْلَى . قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قُبْلَةِ الْيَدِ , فَقَالَ: إنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّدَيُّنِ فَلَا بَأْسَ , قَبَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما . وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الدُّنْيَا فَلَا إلَّا رَجُلًا تَخَافُ سَيْفَهُ أَوْ سَوْطَهُ . وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ أَيْضًا: وَكَرِهَهَا عَلَى طَرِيقِ الدُّنْيَا . وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ التَّابِعِيُّ: الْقُبْلَةُ سُنَّةٌ . وَقَالَ مُهَنَّا بْنُ يَحْيَى: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَثِيرًا يُقَبِّلُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَخَدَّهُ وَلَا يَقُولُ شَيْئًا . وَرَأَيْته لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , وَرَأَيْت سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ الْهَاشِمِيَّ يُقَبِّلُ جَبْهَتَهُ وَرَأْسَهُ , وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُهُ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ: رَأَيْت كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَبَنِيَّ هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ يُقَبِّلُونَهُ يَعْنِي أَبَاهُ بَعْضُهُمْ يَدَهُ وَبَعْضُهُمْ رَأْسَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ تَعْظِيمًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ غَيْرَهُ , وَلَمْ أَرَهُ يَشْتَهِي أَنْ يُفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ . وَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ: تَرَى أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ رَأْسَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله تعالى: تَقْبِيلُ الْيَدِ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَادُونَهُ إلَّا قَلِيلًا . وَذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُمْ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ مُؤْتَةَ وَقَالُوا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ أَنَا فَيْئَةُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَبَّلُوا يَدَهُ . وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ وَكَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَهُ قَبَّلُوا يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ . ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ . وَقَبَّلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَدَ ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: صَلَّى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى جِنَازَةِ أُمِّهِ فَقُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَ فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ فَقَالَ خَلِّ عَنْهَا يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَكَذَا نَفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْهُ الْعِلْمَ , فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَهُ , وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم . قَالَ: وَرَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّدَيُّنِ , وَكَرِهَهُ آخَرُونَ كَمَالِكٍ . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: هِيَ السَّجْدَةُ الصُّغْرَى . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُقَالُ تَقْبِيلُ الْيَدِ إحْدَى السَّجْدَتَيْنِ . قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: وَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْإِنْسَانِ بِمَدِّ يَدِهِ لِلنَّاسِ لِيُقَبِّلُوهَا , وَقَصْدُهُ لِذَلِكَ فَهَذَا يُنْهَى عَنْهُ بِلَا نِزَاعٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُقَبِّلُ هُوَ الْمُبْتَدِي بِذَلِكَ انْتَهَى . وَلَمَّا تَنَاوَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَدَ عُمَرَ رضي الله عنهما لِيُقَبِّلَهَا قَبَضَهَا , فَتَنَاوَلَ رِجْلَهُ فَقَالَ مَا رَضِيت مِنْك بِتِلْكَ فَكَيْفَ هَذِهِ . وَقَبَضَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَدَهُ مِنْ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَهَا , وَقَالَ: مَهْ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا مِنْ الْعَرَبِ إلَّا هَلُوعٌ , وَمِنْ الْعَجَمِ إلَّا خَضُوعٌ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قُبْلَةُ يَدِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ طَاعَةٌ . وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: قُبْلَةُ الْوَالِدِ عِبَادَةٌ , وَقُبْلَةُ الْوَلَدِ رَحْمَةٌ , وَقُبْلَةُ الْمَرْأَةِ شَهْوَةٌ , وَقُبْلَةُ الرَّجُلِ أَخَاهُ دَيْنٌ . وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ تَقْبِيلَ يَدِ الظَّالِمِ مَعْصِيَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ خَوْفٍ . وَقَالَ فِي مَنَاقِبِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: يَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يُبَالِغَ فِي التَّوَاضُعِ لِلْعَالِمِ وَيُذَلُّ لَهُ . قَالَ: وَمِنْ التَّوَاضُعِ تَقْبِيلُ يَدِهِ . وَقَبَّلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ أَحَدُهُمَا يَدَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ وَالْآخَرُ رِجْلَهُ . قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: أَمَّا تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالْكَرِيمِ لِرِفْدِهِ وَالسَّيِّدِ لِسُلْطَانِهِ فَجَائِزٌ , وَأَمَّا إنْ قَبَّلَ يَدَهُ لِغِنَاهُ فَقَدْ رُوِيَ " مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ فَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ " انْتَهَى . وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحَابَةَ قَبَّلُوا يَدَ الْمُصْطَفَى كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَارِّ عِنْدَ قُدُومِهِمْ مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ " قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَّا إلَى هَذَا النَّبِيِّ , فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَا عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ , فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّك نَبِيٌّ اللَّهِ " . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ " فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ " وَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ , وَفِيهَا " ثُمَّ جَاءَ مُنْذِرٌ الْأَشَجُّ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهَا وَهُوَ سَيِّدُ الْوَفْدِ وَكَانَ دَمِيمًا " فَلَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى دَمَامَتِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَا يُسْقَى فِي مُسُوكِ أَيْ جُلُودِ الرِّجَالِ إنَّمَا يُحْتَاجُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى أَصْغَرَيْهِ: لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ فِيك خُلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ " الْحَدِيثَ . وَرُوِيَ أَيْضًا قِصَّةُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَمَّا طَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَاصِرَتِهِ بِعُودٍ فَقَالَ " اصْبِرْنِي , فَقَالَ: اصْطَبِرْ , أَيْ قُدْنِي , فَقَالَ اتَّقِدْ , قَالَ إنَّ عَلَيْك قَمِيصًا وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ , فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَمِيصِهِ فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ , قَالَ إنَّمَا أَرَدْت هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ " إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ . وَرُوِيَ نَحْوُهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ . قُلْت وَفِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ لَمَّا انْكَشَفَ أَوَّلُ عَسْكَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمَّا لَقِينَا الْقَوْمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ اقْتَحَمْت عَنْ فَرَسِي وَبِيَدِي السَّيْفُ مُصْلِتًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْمَوْتَ دُونَهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيَّ , فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخُوك وَابْنُ عَمِّك أَبُو سُفْيَانَ فَارْضَ عَنْهُ , قَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا , ثُمَّ الْتَفَتَ وَقَالَ يَا أَخِي , فَقَبَّلْت رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ سَيِّدُ فَتَيَانِ أَهْلِ الْجَنَّةِ . " وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ: " أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ , أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطلب " . وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهَجَاهُ , وَهُوَ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ حَسَّانُ فِي قَوْلِهِ: أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي مُغَلْغِلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْك عَبْدًا وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْأَبْوَاءِ وَابْنٌ لَهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ ابْنُ عَمَّتِهِ وَصِهْرُهُ , وَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا , فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ لَا يَكُونَا أَشْقَى النَّاسِ بِك قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا , أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْأَذِيَّةِ لِرَسُولِ اللَّهِ كَثِيرَ الْهَجْوِ لَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ آلَفَ النَّاسِ إلَيْهِ , قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ بِمَكَّةَ مَا قَالَ أَيْ لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتَّى تَعْرُجَ إلَى السَّمَاءِ فِي سُلَّمٍ وَنَحْنُ نَنْظُرُ وَتَأْتِي بِصَكٍّ وَأَرْبَعَةِ مَلَائِكَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّك حَتَّى تَنْزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بَنِيٌّ لَهُ , فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ بَنِيَّ هَذَا ثُمَّ نَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهُمَا رِقًّا شَدِيدًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ , وَأَسْلَمَا . وَفِي الْهَدْيِ لِلْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَنَّ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْ لَهُ مَا قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ عليهم السلام الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَيُقَالُ إنَّهُ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمَ حَيَاءً مِنْهُ . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ . كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ . وَلَمَّا حَضَرْته الْوَفَاةُ رضي الله عنه بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ , فَقَالَ: لَا تَبْكُوا عَلَيَّ فَمَا نَطَقْت بِخَطِيئَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْت . انْتَهَى .
|